Politique

بين دروس الماضي ونقاش المستقبل لماذا يجمع الحزب الشيوعي بين هدفي التحرير والتغيير؟

arton5043-d7d44.png


« الحزب الشيوعي اللبناني هو حزب الطبقة العاملة. حزب الفلاّحين والمثقّفين الثوريين والكادحين اللبنانيين جميعا. (…) والأساس النظري الذي يبني عليه الحزب نشاطه هو النظرية الماركسية اللينينية التي تقدّم للبشرية في عصرنا أرقى المعارف الطليعية (…). أما الهدف الأقصى للحزب، فهو القضاء عى النظام الرأسمالي وديكتاتورية البرجوازية لبناء مجتمع اشتراكي ينتفي فيه استثمار الانسان للانسان. وفي سبيل الوصول الى هذا الهدف أو على طريق النضال من أجل تحقيقه، يناضل الحزب الشيوعي اللبناني لتوطيد السيادة الوطنية التامة، وتحقيق الاستقلال الاقتصادي الناجز، واستئصال مواقع الاستعمار الجديد والنفوذ الامبريالي من بلادنا، وتحقيق المطالب الملحّة للطبقة العاملة وسائر الجماهير الشعبية، ولاجراء تحولات جذرية في بنية المجتمع اللبناني تحقق له الحرية والديمقراطية والتقدّم الاجتماعي ».

المؤتمر الوطني الثاني – مقدمة النظام الداخلي


د. ماري ناصيف – الدبس


الرجوع الى المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي اللبناني ونحن نعدّ العدّة لعقد المؤتمر الحادي عشر لا يحمل في طياته حنينا الى الماضي، فنحن كنا ولا زلنا ضد الوقوف على الأطلال. ولا هو كذلك محاولة لمقارنة ما يجري في الفترة التحضيرية للمؤتمر القادم مع ماض نضالي أخرج الحزب من أزمة استمرّت أكثر من خمسة وعشرين عاما عاش الشيوعيون خلالها الكثير من المصاعب، ان بسبب الملاحقات والقمع والمنع، واعتماد السرّية في التنظيم، أو نتيجة الأخطاء والنزعات الدوغمائية حول القضايا القومية…
فأهمية الرجوع الى المؤتمر الثاني بنظرنا – نحن أبناءه – كانت ولا تزال في أخذ العبرة من التحضيرات التي جرت منذ خمسة وأربعين عاما، على الأصعدة النظرية والسياسية والتنظيمية، ومن النقاش الذي سبقها طوال خمسة وعشرين عاما، وكيف واجه الحزب آنذاك، وبشكل متدرّج، الانحرافات المختلفة التي ترافقت مع تلك النقاشات… فكانت النتيجة أن أدت كل هذه النقاشات (التي لم تخل من الحدّة أحيانا) الى وضع مشروع برنامج للحزب أسهم في ازالة الكثير من العقبات من أمام تعزيز مركزه في الحياة السياسية الداخلية وكذلك في ضرب القيود التي كانت تعيقه على صعيد القضايا العربية، عموما، وقضية فلسطين على وجه الخصوص.
شكّل المؤتمر الثاني، اذا، منطلقا لفهم جديد للصراع الدائر في لبنان والمنطقة العربية والعالم، من خلال الاهتمام الكبير الذي وجهه باتجاه « عملية توازن القوى الداخلية والعربية والدولية والظروف الموضوعية والذاتية للعلاقة فيما بينها »، فكان الجمع الخلاّق بين النضال الطبقي والنضال الوطني والأممي، بالاستناد الى اعادة رسم وتحديد الطريق باتجاه الهدف الاستراتيجي، بناء المجتمع الاشتراكي. هذه الطريق، كما هو مبيّن في مقدمة النظام الداخلي، ترتكز الى الى ثلاثة مقوّمات : أولها استئصال مواقع نفوذ الامبريالية من خلال النضال لتوطيد السيادة الوطنية وانجاز الاستقلال الاقتصادي، وثانيها تحديد أولويات البرنامج الاجتماعي، وثالثها اجراء تحوّلات جذرية في بنية المجتمع اللبناني باتجاه الانتهاء من النظام الطائفي ووضع أسس الدولة العلمانية التي، وحدها، تحقق الديمقراطية والتقدم الاجتماعي.
ولقد اعتمدت وثائق الحزب منذ ذلك الحين، بل ومؤتمراته، الوجهة نفسها والمقومات نفسها في تحليلها للأحداث وفي وضع الخطط والبرامج المرحلية، فكانت سياسة الحزب تبنى على أساس التكامل بين وجهي النضال في كل مرحلة من المراحل.
والأمثلة على ذلك كثيرة وواضحة.


ففي سياق المؤتمرين الثاني والثالث، وحتّى بدايات الحرب اهلية في العام 1975، قاد الحزب ومعه الطبقة العاملة والحركة الشعبية العديد من النضالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ووضع أسس حركة طلابية من نوع جديد ناضلت من أجل ديمقراطية التعليم وتطوير الجامعة اللبنانية، كما وضع الأسس لحركة نقابية ونسائية من نوع جديد. الاّ أنه، وفي الوقت عينه، لم ينس القضية المركزية، قضية فلسطين، ولا مواجهة الاعتداءات الصهيونية على قرى الجنوب وصولا الى مطار بيروت. فكانت مظاهرة 23 نيسان 1969 (التي سقط فيها للحزب شهيدان هما صفوان دندشي وسمير القاسم) من أجل الدفاع عن العمل الفدائي ومن بعدها انطلاقة « الحرس الشعبي » من أجل حماية قرى الجنوب تنصهران مع اضراب عمال غندور ومظاهرة مزارعي التبغ ومع العديد من التحركات النقابية، العمالية والفلاحية والطلابية، والجماهيرية والسياسية تحت شعارات تصحيح الأجور، وتطوير القطاع العام وفرض حق التنظيم النقابي للعاملين فيه، ومواجهة الصرف التعسفي والقمع والقتل الذي طال العمال والمعلمين، والوقوف بوجه السياسات الاقتصادية للطغمة المالية (جماعة ال4 %) … كل ذلك تحت شعار النضال من أجل الحكم الوطني الديقراطي الذي يفتح الأفق رحبا أمام التغيير باتجاه المجتمع الاشتراكي. وقد كان لاحتفالات العيد الخمسين للحزب الدور الكبير في تعميم مواقفه على كافة المنطق والمستويات.
ومع بداية الحرب الأهلية كان الشيوعيون يصدّون الهجمات الفاشية ويواجهون حملات الخطف والقتل والتصفية في بيروت والعديد من المناطق المحيطة بالعاصمة، بينما كان « برنامج الاصلاح المرحلي » للحركة الوطنية يطرح البديل الديمقراطي للنظام. وحتى في المراحل الأولى من الحرب، ان تلك المسمّاة « حرب السنتين » أو تلك التي تبعتها والتي أدت الى أول احتلال اسرائيلي للشريط الحدودي في الجنوب، لم ينس الحزب أهمية الدور الذي تلعبه التحركات المطلبية في استعادة الوحدة الشعبية ووقف محاولات التقسيم والفدرلة التي لجأت لها البرجوازية التي كانت في السلطة من أجل الحفاظ على امتيازاتها.
ويمكن القول أن الطبقة العاملة وحزبها برهنا بامتياز خلال تلك الفترة العصيبة، وما تبعها من عدوان واسع في العام 1982، عن كونهما الطبقة والحزب الأكثر وطنية، إذ لم يبخلا بالعرق والدم في اطلاق « جبهة المقاومة الوطنية ضد الاحتلال »؛ كما برهنا أنهما الأكثر ديمقراطية، من خلال رفض العنف الطائفي الذي مارسته البرجوازية بكل أطيافها دون استثناء. وهكذا حفظت الطبقة العاملة وحزبها موقعهما ودورهما في عملية التغيير.
وتجدر الإشارة هنا الى الاختلاف الكبير بين « جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية » التي أنشأها الحزب الشيوعي وبين التيارات الأخرى في المقاومة الوطنية، إن من حيث كون الأولى بنيت على أساس وطني وعلماني لا طائفي، فأتت على شاكلة الوطن وشعبه عابرة للمناطق والطوائف، أم من حيث أن مؤسسها – الحزب الشيوعي – لم يجعلها تقع في التناقض بين دورها في تحرير الأرض وإسهامها في التغيير، الأمر الذي حولها الى حركة تحرر فعلية على عكس المقاومات الأخرى التي انغمس مطلقوها في المحاصصات الطائفية، فتحوّلت الى مقاومة فئوية وضاعت الحدود بين دورها التحريري (الذي لا يمكن نكرانه أو نكران تضحيات المقاومين ضمنها) وبين تحولها الى جزء من المحاصصة الطائفية على صعيد السلطة…
واليوم، ونحن نحضّر للمؤتمر الحادي عشر للحزب، نعود مجددا الى المؤتمر الوطني الثاني لننهل منه كيفية الجمع بين مهام النضال الطبقي والنضال الوطني. فنرسم، على ضوء ذلك، المسار الذي سنعتمده من أجل استكمال التحرير وتحديد معالم الطريق الى التغيير، مؤكدين على مسائل ثلاث كانت وستبقى في صلب مهام كل شيوعي :
أولا، التمسّك بالوجه المستقل لحزبنا، كمعبّر طليعي عن مصالح الطبقة العاملة اللبنانية، وكذلك بالمواقف الطبقية المبدئية، بعيدا عن كل أشكال الانتهازية.


ثانيا، النضال باتجاه تحقيق مهام التحرر الوطني من الامبريالية والصهيونية؛ وفي هذا المجال، لا بد من تطوير النضال اليساري العربي المشترك من أجل حركة تحرر عربية جديدة.
ثالثا، تعميق النضال الطبقي الذي تخوضه الطبقة العاملة اللبنانية (والعربية) وكل الكادحين بسواعدهم وأدمغتهم، وتسليط الضوء على أن مسألة التغيير لا يمكن أن تنجز إلا عبر ثورة تقودها الطبقة العاملة وأن الثورة لا يمكن أن تنتصر إلا إذا استلمت هذه الطبقة السلطة السياسية.

Les commentaires sont clos.