Politique

اليمن، حرب أمريكية – صهيونية باسم العرب؟

اليمن، حرب أمريكية – صهيونية باسم العرب؟
تقديم:

اجتمع وزراء خارجية الدول العربية يوم الخميس 26/03/2015 في « شرم الشيخ » على بعد مسافة قصيرة من فلسطين المحتلة، تحت يافطة « الجامعة العربية » (العبرية؟) وبقيادة السعودية ليقرروا بسرعة تأسيس « قوة ردع عربية » بهدف ضرب اليمن (وربما سوريا والعراق وغيرها في وقت لاحق) وسرعان ما بدأ تنفيذ القرار، « لحماية الأمن القومي العربي » و »لمواجهة التهديدات الأمنية التي تتعرض لها دول عربية »، بمشاركة تسع دول عربية ومعها باكستان (السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والسودان والأردن والمغرب وباكستان) قبل مناقشته وإقراره من القمة العربية ليومي السبت 28 والأحد 29 آذار/مارس 2015 في شرم الشيخ أيضا، غير بعيد من إحدى الجزر السعودية الصغيرة على البحر الأحمر، التي يحتلها الكيان الصهيوني منذ عدوان 1967ولا تطالب السعودية باسترجاعها… جاء هذا القرار والتنفيذ السريع بعد إغلاق عدد من الدول الإمبريالية سفاراتها في صنعاء، ونقل بعضها إلى عدن، وبعد أيام من سحب الأمريكيين وباقي القوى الإمبريالية ما تبقى من قواتهم العسكرية في اليمن، وتراهن السعودية على مكانتها وهيمنتها على الأنظمة العربية لحشد الجيوش لمساندتها في عدوانها، كما تراهن على مساندة الجيش والمليشيات الباكستانية، والتي لها سوابق في سحق الفلسطينيين، بدعوة من النظام الأردني، خلال حربه على المقاومة الفلسطينية خلال ما سمي ب »أيلول الأسود » (سبتمبر 1970)، كما يراهن النظام السعودي على مساندة الحكومة التركية، وهي فرصة لتحقيق المصالحة، بين الوهابيين (السعودية وقطر) والإخوان المسلمين وحكومة الجيش المصري، الذي انتقل من سند لحركات التحرير في الجزائر ثم في اليمن خلال خمسينات وستينات القرن الماضي، إلى سند للمخططات الأمريكية في الوطن العربي، مع الإمعان في خنق فلسطينيي غزة وترك سيناء مرتعا للصهاينة وللإرهاب…

حرب بالوكالة:

ورد في أخبار يوم 26/03/2015 نبأ عن ارتفاع طفيف لأسعار النفط الخام، ما يظهر أحد أهداف هذه الحرب العدوانية، بعد حشد قوات السعودية والإمارات ومصر لتدمير اليمن الفقير والمدمر أصلا، إذ ارتفعت نسبة البطالة من 25% قبل انتفاضة شباط/فبراير 2011 إلى 33% فى 2012 ثم 44% فى 2013، وقد تبلغ 60% فى العام الحالى، ويقل دخل 50% من اليمنيين عن دولار واحد يوميًا، وتبلغ نسبة الفقراء 50% من شعب اليمن، ويعاني 12 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائى، فى ظل مخاوف من حدوث كارثة إنسانية خاصة وان 50% لا يحصلون على الغذاء الكافى، وتدهور الاقتصاد اليمنى بصورة خطيرة، بانخفاض النشاط الاقتصادى، وتوقفت مشاريع استثمارية كثيرة، وخرجت استثمارات عديدة، وارتفع حجم رؤوس الأموال المهربة إلى خارج البلاد، في حين افتقد المودعون الثقة في العملة المحلية، فتراجع حجم الودائع بالعملة المحلية إلى 2,2 تريليون ريال يمنى سنة 2014، وتراجع الاحتياطى النقدى للبنك المركزى إلى 4 مليارات ريال فى كانون الثاني/يناير 2015 بينما انخفضت عائدات النفط التى تقدر بـ1,2 مليار دولار، كما انخفض نشاط الشركات الصغيرة والمتوسطة وعجز العديد منها عن سداد التزاماتها وتسديد رواتب موظفيها…
سبق للسعودية خوض حرب ضد حركة « أنصار الله » أو ما يطلق عليهم « الحوثيون »، مساندة منها للرئيس السابق العقيد « علي عبد الله صالح » (حليف الحوثيين اليوم)، خصوصا في منطقة « صعدة »، ضمن الحروب السبعة التي خاضها النظام في اليمن ضد « الحوثيين »، ولا تزال قوات الحوثيين قادرة إلى اليوم على اقتحام جنوبي الجزيرة العربية وقصف العمق السعودي بالصواريخ، وربما تعطيل حركة الملاحة بين قناة السويس والبحر الأحمر ثم خليج عدن، لكنهم لم يعربوا عن نيتهم في تنفيذ هذا المخطط، لعدم تحويل الحرب إلى تحالف عالمي ضدهم، قد يتوج بمجازر ضد المواطنين اليمنيين، أما من الجانب السعودي، فقد كان القرار سريعا ومفاجئا، لكن يبدو ان « الحوثيين » تهيئوا لهذا العدوان، إذ استنفروا قواهم ونشروا حشودا كثيفة تتألف من عشرات آلاف المقاتلين على الحدود بين اليمن والسعودية، وعلى السواحل، حتى قبل خطاب زعيمهم « عبد الملك الحوثي »

مرحلة التخطيط للعدوان:

قبل التقدم الذي حققه الحوثيون في الميدان، والسيطرة على العاصمة « صنعاء »، أعاد النظام السعودي الربط مع حركة الإخوان المسلمين (تجمع « الإصلاح ») التي شاركت علي عبد الله صالح في الحكم، والتي حازت على رضا الولايات المتحدة بمنح أحد قياداتها « توكل كرمان »، جائزة نوبل (وهي ابنة أحد وزراء علي عبد الله صالح)، كما أنفقت السعودية أموالا طائلة (مئات ملايين الدولارات) لشراء ولاء قبائل جنوب اليمن ومنطقة « تعز »، وسلمتهم كميات كبيرة من الأسلحة، لمحاربة « أنصار الله » (الحوثيين) الذين نفذوا مناورات عسكرية على حدود السعودية، بعد قطع النظام السعودي الإتصال بهم، وبعد تكثيف القمع ضد أبناء قبائل جنوب الجزيرة العربية ومنطقة « نجران »، الذين كانت لهم على مر السنين علاقات عائلية وتجارية مع قبائل اليمن، ويبدو أن قادة « أنصار الله » فهموا مقاصد السعودية بعد « تحذيرها » لهم بتفجير المساجد في صنعاء وقتل مؤمنين كانوا في حالة تعبد، واستبقوا الهجوم العسكري السعودي، فسيطروا على المدن والمواقع الساحلية الاستراتيجية وعلى مداخل « عدن » والمحافظات القريبة منها، خلال 24 ساعة، وساعدت السعودية على توثيق التحالف بين الداعين إلى الإنفصال في الجنوب والإخوان المسلمين، فنظموا مظاهرات مشتركة ضد « الحوثيين »، الذين اعتبروهم « غزاة ومحتلين »، كما ضغطت السعودية على الرئيس المستقيل « عبد ربه منصور هادي » (وهو أيضا كان نائبا للرئيس السابق علي عبد الله صالح) على التراجع عن استقالته، كما تنكرت السعودية لنتائج الإتصالات التي توصلت لها الوساطة العمانية (بطلب من السعودية) بالسماح للرئيس هادي بالخروج واللجوء إلى العاصمة العمانية « مسقط » والإقامة بها، قبل قطع الإتصالات مع القادة الحوثيين

خارطة التحالفات:

تتقاطع التحالفات بخصوص هذه الحرب مع التحالفات المتعلقة بسوريا والعراق وليبيا وفلسطين وغيرها من « بؤر التوتر »، وكانت الغارات الجوية السعودية مسبوقة ومرفقة بحملة إعلامية ضخمة ضد أنصار الله وإيران (التي تأمل رفع العقوبات الأمريكية قريبا)، ودعمت الولايات المتحدة وروافدها (كندا، استراليا…) والإتحاد الأوروبي هذا العدوان « العربي » شكلا، والأمريكي الأطلسي الصهيوني مضمونا، وقدمت أقمار التجسس معلومات عن تموقع الحوثيين وعن مخزونات سلاحهم، بينما سارعت روسيا وإيران إلى الدعوة إلى الهدوء واستئناف المفاوضات، فيما أكد « حزب الله » اللبناني أن هذا العدوان هو اعتداء على الشعب والدولة في اليمن، وأنه لا يمكن حل الخلافات داخل اليمن سوى بالحوار السياسي، وهلل الإعلام الصهيوني لهذا العدوان واعتبره إنجازا عظيما لصالح الإحتلال (وهو كذلك بالفعل)، وهو بمثابة حرب بين « معسكر الإعتدال »، والكيان الصهيوني جزء منه، إلى جانب مشيخات الخليج التي لها مصالح مشتركة معه، ومعسكر « الأعداء المشتركين » للطرفين، أي إيران وسوريا والعراق وجزء من لبنان، بناء على محتوى خطاب « نتن ياهو » في الكونغرس الأمريكي، قبل انتخابات الصهاينة، حينما دعا إلى تكوين محور بين دولة الإحتلال ودويلات الخليج، في مواجهة الأعداء المشتركين، « ووضع حد للتمدد الإيراني » الذي قد يهدد « مشروع الشرق الأوسط الجديد » (أو الكبير)، ومثلت الحملة على « أنصار الله » فرصة لإعادة العلاقات الطيبة بين السعودية وقطر وتركيا، وعكست برامج محطتي « العربية » السعودية و »الجزيرة » القطرية هذا الإتجاه الذي بدأ غداة وفاة الملك السعودي السابق « عبدالله بن عبد العزيز » وتولي سلمان الحكم بعده، خصوصا وأن العدوان اكتسب صفة « الشرعية العربية »، بطلب من الرئيس المستقيل « عبد ربه منصور هادي »، والهارب إلى السعودية، في مواجهة ما وصفته الأجهزة الإعلامية المأجورة « الإنقلابيين الحوثيين المدعومين من الصفويين الفرس المجوس » الذين يريدون السيطرة على المنطقة، كما رددت بعض وسائل الإعلام الخليجية والمصرية أيضا، وبذلك تصبح إيران هي العدو الرئيسي لهؤلاء « العرب »، ويسجل الجيش السعودي بطولاته في الحروب ضد البلدان العربية، بمساندة أصدقاء العائلة المالكة من أمريكيين وصهاينة، ما قد يعتبر المبرر الرئيسي لتكديس السلاح الأمريكي في السعودية (إضافة إلى القواعد الأمريكية)، وبذلك أصبح الكيان الصهيوني، خلال « الحقبة السعودية » حليفا وصديقا وشريكا تجاريا، بينما لا يزال الفلسطينيون المتضررون من عدوانه الأخير على غزة بلا مأوى… لا بد من الإشارة إلى المشاركة المصرية في هذا العدوان وإلى سرعة استجابة الرئيس- المشير للطلب السعودي، وانتقل الجيش المصري كما أشرنا، من داعم لحركات التحرر إلى مشارك في العدوان على الدول العربية منذ ساهم خلال حكم « أنور السادات » ثم حسني مبارك في قصف ليبيا، ثم العراق، ومساهم في حصار الشعب الفلسطيني في غزة، بإغلاق معبر « رفح »، ويسدد الجيش المصري ثمن « المساعدات » الأمريكية منذ اتفاقية « كمبد فيد » والخليجية منذ الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين، في حين لم يستطع الجيش المصري تأمين منطقة سيناء (المحتلة جزئيا) والتي لا يستطيع الإنتشار فيها بدون إذن صهيوني، كما لم يستطع تامين حدود مصر مع ليبيا، ولم تستطع حكومة مصر تأمين حصتها من مياه النيل، ولم تستطع تأمين الكهرباء لمواطنيها ومصانعها الخ

الرابحون والخاسرون:

يبدو ان السعودية كانت تستعد منذ ما لا يقل عن شهرين، لهذه الحرب بالوكالة عن أمريكا والكيان الصهيوني، وبدأت حشد وتعبئة قواتها منذ مدة، نظرا للسرعة القياسية التي أنجز بها الجيش السعودي (المدعوم من الأنظمة العربية) مهماته التخريبية، بعد إعلان الحرب، في سباق مع الزمن، قبل تاريخ 31 آذار/مارس 2015 المقرر للإتفاق بين طهران والعواصم الغربية حول برنامجها النووي، ولم يسبق للجيش السعودي خوض حروب هامة، باستثناء التدخل لقمع التظاهرات في البحرين والمنطقة الشرقية، أو إلقاء قنابل من الجو فوق ليبيا، وبهذه الحرب الجديدة (إضافة إلى سوريا والعراق) أصبحت السعودية أكبر سند للكيان الصهيوني، المستفيد الأول من الحرب في سوريا ثم في اليمن، ومن تفتيت البلدان العربية، بشكل عام، وقدمت السعودية أكبر خدمة للكيان الصهيوني بالإلتفاف على إرادة الشعوب العربية في مقاطعة الكيان الصهيوني ومساعدة الشعب الفلسطيني من أجل التحرير والعودة، ليصبح إنجاز البرنامج الأمريكي التي أطلقه جورج بوش الأبن والمحافظون الجدد (مكافحة الإرهاب وصراع الحضارات) هو المطروح على جدول أعمالنا حاليا ولعشرات العقود القادمة، وبذلك تصبح الإمبريالية الأمريكية من أكبر المستفيدين من هذه الحرب الجديدة حيث يحارب العرب بعضهم بسلاح مصنوع في الخارج، لتكون شركات تصنيع وبيع السلاح (خصوصا الطائرات الحربية) من أهم المستفيدين، إضافة إلى شركات النفط، حيث ارتفعت أسعار برميل الخام، خلال نفس اليوم الذي بدأ فيه القصف السعودي، بعدما انخفضت إلى أدنى حد لها خلال ست سنوات، وبعدما بدأت أرباح الشركات النفطية في التدني، وسوف تستغل شركات التأمين ارتفاع خطر مرور السفن من قناة السويس ومضيق « باب المندب » لترفع من ضمانات التأمين، إذ تجتاز السفن هذه الطريق، محملة بحوالي 40% من صادرات النفط العالمية وحوالي 60% من حجم التجارة البحرية العالمية…

في صفوف الخاسرين، يحتل الشعب الفلسطيني طليعة الترتيب في كل صراع لا توجه بوصلته نحو فلسطين، على رأي « غسان كنفاني »، فما بالك إذا كان أحد أهداف هذه الحرب هو الوصول إلى ما وراء التطبيع، إلى التحالف مع الكيان المحتل ضد شعوب عربية أخرى وضد النظام الإيراني « المسلم »، وتعتبر السعودية وتوابعها الكيان الصهيوني صديقا ضد النظام السوري « العربي المسلم » وضد إيران « المسلمة »، وتأتي الشعوب العربية الأخرى في المرتبة الموالية من قائمة الخاسرين، إذ ستتمكن الأنظمة في مصر والمغرب والأردن وغيرها من قمع الشعوب والقضاء على ما تبقى من الحريات الفردية أو الجماعية، بتعلة مكافحة الإرهاب، وسترصد الحكومات مزيدا من الأموال للإنفاق على « الأمن » بدل الإنفاق على التعليم والصحة والمرافق العمومية، مع الدعوة إلى « الوحدة الوطنية » والقضاء على كل « صوت نشاز » وتخوين كل « خارج عن الصف »، وستعترض الحكومات على المطالب النقابية والسياسية بواسطة الحملات الإعلامية المشككة في وطنية من لا يراعي « الظروف الخاصة التي تمر بها البلاد » وإذا لم يرتدع « المشاكسون » يمكن إيداعهم السجن (بعد محاكمات صورية) بمساندة « المجتمع المدني » والمنظمات « غير الحكومية » الممولة أوروبيا وأمريكيا، بتهمة « مساندة الإرهاب »… أما الشريحة الأكثر تضررا فهي الفئات الفقيرة التي ستعد تظاهراتها واحتجاجاتها عملا إجراميا يصب في خانة الإرهاب، وبشكل عام، تعتبر هذه الفترة فرصة ذهبية لتطبيق « إصلاحات ضرورية ومؤلمة » فرضها صندوق النقد الدولي، من تجميد الرواتب أو خفضها وتأخير سن التقاعد وتجميد التوظيف في القطاع العام ورفع الدعم عن المواد الأساسية الضرورية والطاقة وخصخصة ما تبقى من القطاع العام والمرافق العمومية، وبدأت حكومات تونس ومصر تطبيق هذه الإجراءات، مع فرض « الوحدة الوطنية » ضد الإرهاب

تداعيات هذه الحرب:

تدخل هذه الحرب في إطار الصراع من أجل الهيمنة على منطقة الخليج والمشرق العربي، وتشترك السعودية والكيان الصهيوني في معادة أي اتفاق بين أمريكا وحلفائها مع إيران حول برنامجها النووي، لأن ذلك يعتبر اعترافا بصمود إيران في وجه العقوبات والحظر والمقاطعة، واعترافا بدورها الإقليمي في المنطقة، وتهدف السعودية من خلال قيادتها تحالفات معادية لمصالح الشعوب العربية، إلى إظهار حجم نفوذها وقدرتها على لعب دور شرطي المنطقة (بعد الكيان الصهيوني طبعا)، لكي تصبح جديرة بثقة الإمبريالية الأمريكية، وتشترك تركيا مع السعودية والكيان الصهيوني في تخريب سوريا والتدخل المباشر في شؤونها وتدريب وتسليح المعارضة المسلحة وإرسال المرتزقة وتسهيل دخولهم إلى سوريا، وتستفيد تركيا من « تطبيع » علاقات السعودية مع تيار « الإخوان المسلمين » الذي يمثله « تجمع الإصلاح » في اليمن، والذي تميز بانتهازيته المفرطة، فبعد تحالفه مع علي عبد الله صالح، خذله خلال الإنتفاضة وأصبح حليفا فيما بعد إلى من خلفه « عبد ربه منصور هادي » (وهو بدوره كان نائبا لسلفه)، وتعول تركيا والسعودية على إعادة الروح لتجمع « الإصلاح » ليتصدر المشهد السياسي، نظرا لتركيبته العشائرية التي قد تسمح له بذلك، بالإضافة إلى العلاقات التاريخية العريقة والمتينة التي تربطه بالنظام السعودي… من جهة أخرى يمثل اليمن أحد الجبهات التي أصبحت فيها الحرب « فاترة » بعد أن كانت « باردة » بين روسيا والولايات المتحدة، كما في سوريا وأوكرانيا، وفي نفس مرتبة الحرب الإقتصادية التي تعمل على انهيار اقتصاد روسيا بواسطة إغراق سوق النفط وخفض اسعار الخام الذي تضررت منه روسيا كثيرا، ما زاد من أهمية انتصار أحد الطرفين المحليين في اليمن، وهو ما سيعتبر انتصارا إما لروسيا أو لأمريكا، خصوصا بعد الفشل الجزئي للإستراتيجية الأمريكية في سوريا وأوكرانيا

تحاول السعودية إلصاق صفة الإرهاب ب »أنصار الله » و »الحوثيين »، ويقدمهم إعلامها كرديف ل »داعش »، في حين تعتبر هذه الحركة حركة وطنية شعبية يمنية تتجاوز حدود القبائل والعشائر والمذاهب (وأكبر مذاهب اليمن هما اليزيدي والشافعي) وشكلت ائتلافا للحوار الوطني بهدف الوصول إلى توافق حول المؤسسات وصيغة الحكم، بينما تحالف تجمع الإصلاح (الإخواني) مع فرع « داعش » في اليمن لتقويض أسس الحوار الوطني

لقد تجاهلت السعودية « التضامن العربي » و »العمل العربي المشترك »، عندما تعلق الأمر بمشاركتها في انتهاك سيادة بلدان عربية أخرى، بداية من العراق سنة 1991، حيث استخدمت الطائرات الأمريكية قاعدة « الدمام » لقصف العراق، وشاركت في قصف ليبيا إلى جانب قوات الحلف الأطلسي للإطاحة بنظام بلد عضو في الجامعة العربية، وتساهم حاليا بالمال والسلاح والرجال لتخريب سوريا، حيث تنتهك تركيا سيادة دولة مؤسسة لجامعة الدول العربية، وسبق أن طلبت السعودية ومصر والأردن من الجيش الصهيوني إطالة العدوان على لبنان، بهدف القضاء على « حزب الله » سنة 2006 وكررت الطلب بخصوص العدوانات المتكررة على فلسطينيي غزة منذ 2008 إلى 2014، ويستحضر حكام السعودية اليوم « العمل العربي المشترك » لتنفيذ عدوان مسلح على بلد فقير وشعب أنهكته الإنقسامات القبلية والفقر والجوع والبطالة، وساهمت بتجويعه قبل أشهر بترحيل عمال يمنيين « مخالفين » لقانون العمل والإقامة، بمن فيهم من ولدوا وعاشوا في السعودية منذ عقود، منذ ولادتهم، وبالمناسبة فإن من مبادئ « التضامن العربي » و »العمل العربي المشترك »، الإستثمار في الوطن العربي لخلق الثروات وتطوير الزراعة والصناعة ومكافحة البطالة والفقر وتشغيل العاطلين برواتب وظروف عمل محترمة، بدل إقصائهم من مشيخات الخليج (خصوصا الفلسطينيين) وتوريد عمال فقراء من بلدان آسيا، لا يدكون ما يدور حولهم ولا يستطيعون الدفاع عن حقوقهم، ويعاملون كالدواب… من جهة أخرى أعلنت السعودية أنها لن تسمح باختراق أمنها من الجبهة اليمنية، في حين يقابل حكامها الصهاينة سرا وعلنا، وتباع سلع العدو في كافة أسواق الخليج وتسهر شركات « أمنية » يديرها ضباط في الجيش والمخابرات الصهيونية، على أمن المطارات والمنشئات النفطية في دول الخليج، ويستثمر أمراء العائلة المالكة السعودية (والخليجية) أموالهم في مشاريع عقارية وتجارية وإعلامية ومالية مع رأسماليين صهاينة، في المدن الأوروبية والأمريكية وكذلك في تل أبيب، ويعللون ذلك ب »فصل السياسة عن الإعمال والتجارة »، وتفتح قنوات البث التلفزي الخليجية (« العربية » و »الجزيرة » مثلا) لممثلي حكومة الصهاينة ليبثوا سمومهم ودعايتهم ضدنا بكل حرية، ووراءهم علم دولة الإحتلال، وبذلك يدخل التطبيع كل البيوت العربية، بتعلة تقديم « الرأي والرأي الآخر »، وهو ما لا يسمح به للمواطنين العرب…

الآفاق المحتملة للحرب:

تنطبق على الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية « أحمد بن حلي »، مقولة العرب الشهيرة « فقه برد أغيض لنا من شعر بشار »* فقد أعلن « إن اقتراح تشكيل قوة عربية مشتركة ينطلق من مرجعيات عربية عديدة بدءًا من معاهدة الدفاع العربي المشترك وميثاق الجامعة العربية واتفاقية الرياض للتعاون القضائي، بالاضافة الى الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب… والجامعة العربية في حاجة الى مثل هذه القوات لتكون جاهزة لدرء أي خطر يهدد استقرار دول المنطقة خاصة في ظل تصاعد ظاهرة الارهاب التي تهدد كيانات الدول واستقرارها »، فهو لم ينطق بكلمة خلال العدوان الصهيوني الأخير على فلسطينيي غزة، وربما يجهل أن الخطر الأكبر الذي « يهدد استقرار المنطقة » هو الكيان الصهيوني، وليس الشعب اليمني الفقير، وتصريحه هذا يعبر عن الوضع المأساوي الذي بلغناه…

قد يؤدي هجوم السعودية على اليمن، وإستهدافها لأغلبيّة سكّانه من « الزّيديّة » كفرع من الشّيعة، إلى زيادة التقسيمات على أسس مذهبية وطائفية، إذ يمكن أن يتضامن الشّيعة داخل السّعوديّة، سكّان المنطقة الجنوبيّة الغربيّة من السّعوديّة، أي جازان، ونجران، وجبال عسير على حدود اليمن، مع إخوانهم في اليمن وضد النظام، وفي المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، والقريبة من العراق، حيث تقطن أغلبية شيعية أيضا، والقريبة من االبحرين أيضا، حيث تقمع القوات السعودية انتفاضة الشعب ضد العائلة المالكة، منذ نحو أربع سنوات، ما يهدد بانفجار كافة المنطقة، وتصبح المساندة الإيرانية للشيعة في العراق والسعودية واليمن على أسس طائفية (وأيضا سياسية) مشروعة، ما قد يعجل بتنفيذ مشروع « الفوضى الخلاقة » الأمريكي، وتقسيم السعودية نفسها على أسس عشائرية وطائفية، لينقلب السحر على الساحر، ولزيادة تفتيت الأقطار العربية (وغيرها مثل باكستان وأفغانستان وإيران) لتسهل السيطرة عليها، وليصبح الكيان الصهيوني في منطقتنا القوة الإقليمية العظمى الوحيدة، وعلى ذكر الظرف الإقليمي يأتي هذا التصعيد، كما ذكرنا، بعد إعلان قرب توقيع اتفاق بين إيران والدول الغربية حول مشروعها النووي، ما أزعج الكيان الصهيوني والنظام السعودي على حد سواء، لأن لإيران مشروع قومي مستقل ولأنها قوة إقليمية تنافسهما على السيطرة على المنطقة…
هذه الحرب هي حرب إحدى أغنى الدول العربية على أفقر شعب عربي، بمساعدة عسكرية مباشرة من الولايات المتحدة، استكمالا لما بدأته أمريكا وحلفها في العراق منذ 1991 ولازال متواصلا في العراق وسوريا وليبيا والسودان واليمن، ولا ينفصل التصدي لهذه الحرب عن التصدي للمشروع الإمبريالي في المنطقة، ولا يعتبر هذا التصدي مساندة لمذهب أو طائفة أو عشيرة أو قبيلة، بل هو دفاع عن الفقراء ضد الأثرياء وعن الشعوب المستضعفة والمضطهدة (بفتح الهاء) ضد الإستعمار والإمبريالية وأدواتها التي هي الأنظمة الرجعية في حالتنا العربية
*المقصود هو والد الشعار « بشار ابن برد » وكان بشار شابا أعمى وشاعرا كبيرا لكنه مشاكس ولا يحترم قواعد كبار القوم والمجتمع، وكان أبوه يدافع عنه دائما ويختلق له الأعذار، وردا على تشكيات القوم من إحدى مشاكسات بشار و »اعتدائه على الأخلاق الحميدة » أو على قواعد المجتمع، قال « برد » (الأب) « ليس على الأعمى حرج »، ولذلك قيل « فقه برد أغيض لنا من شعر بشار »

الطاهر المعز 27/03/2015

Les commentaires sont clos.