Contributions

مراجعات في أزمة اليسار في البحرين


التاريخ لا تصنعه الإرادات الحرة المطلقة«إن الناس يصنعون تاريخهم بأنفسهم ولكنهم لا يصنعونه على هواهم، فهم لا يصنعونه في ظروف يختارونها بأنفسهم… وفي اللحظات التي يكونون فيها مشغولين بتحويل أنفسهم والأشياء المحيطة بهم إلى خلق جديد، وفي فترات الأزمات على وجه التحديد، نراهم يلجؤون إلى استحضار الماضي لخدمة مقاصدهم، يستعيرون منه الأسماء والشعارات والأزياء لكي يمثلوا مسرحية جديدة على مسرح التاريخ»


مراجعات في أزمة اليسار في البحرين


كمال الذيب
2013 / 9 / 16


مراجعات في أزمة اليسار في البحرين – التاريخ لا تصنعه الإرادات الحرة المطلقة«إن الناس يصنعون تاريخهم بأنفسهم ولكنهم لا يصنعونه على هواهم، فهم لا يصنعونه في ظروف يختارونها بأنفسهم… وفي اللحظات التي يكونون فيها مشغولين بتحويل أنفسهم والأشياء المحيطة بهم إلى خلق جديد، وفي فترات الأزمات على وجه التحديد، نراهم يلجؤون إلى استحضار الماضي لخدمة مقاصدهم، يستعيرون منه الأسماء والشعارات والأزياء لكي يمثلوا مسرحية جديدة على مسرح التاريخ». هكذا كتب ماركس في العام 1848م.قادني إلى استحضار هذه الملاحظة الماركسية لما نلمسه في بعض الأحيان من فقر في الرؤية عند بعض يساريينا الذين تأخذهم النزعة الإرادية نحو تقديم تحليلات ورؤى وحتى «وثائق» ذات طابع لا تاريخي، تستند إلى منزع «إرادي» صرف، وكأنما التاريخ تصنعه الإرادات الحرة المطلقة غير المقيدة بشروط اللحظة التاريخية وقيودها وحدودها، وما تتيحه من إمكانيات وما تفتحه من آفاق، وبذلك غالبا ما يقعون في أخطاء قاتلة، ويتورطون في تحالفات خاطئة، وفي مواقف ينقصها النضج والفهم لحركة التاريخ…ومن تلك الأخطاء التحليلات التي يقدمها بعض مثقفي وسياسيي اليسار حول الحركة الإسلامية بعامة، وقد تجاوز الأمر بالنسبة لبعض أجنحة هذا اليسار مستوى التحليل واقتراح التكتيكات للتعامل مع هذا الإسلام السياسي إلى مستوى بناء التحالفات وإصدار الوثائق السياسية المشتركة ذات طابع «جبهوي»، وهي ظاهرة جديرة بالتحليل من وجهة نظر المرجعية اليسارية نفسها، خصوصا وان هذا اليسار لم يتسن له القيام بعملية مراجعة شاملة لمثل هذه المواقف في ضوء انغماسه في المعركة السياسية التي اختار الانخراط فيها ضد السلطة القائمة من خلال تحالفه مع بعض حركات الإسلام السياسي.ويمكن هنا أن نرصد وجهة نظر اليساريين الذين يرون أن الحركة الإسلامية هي حركة تحرر ثورية «أو إصلاحية»، ولكنها تفتقر للرؤية والتوجيه السياسي، وبالتالي على اليسار أن يقوم بدعمها وأن يسعى للتنسيق معها في مواقع حركية مختلفة، ويستغل رصيدها الجماهيري لتعزيز المواجهة مع السلطة. ومن الواضح أن هذا الموقف هو الاتجاه الأغلب والأوضح بعد أزمة فبراير 2011 بالنسبة لأغلب يساريي البحرين الذين شكلوا حلفا مع القوى الإسلامية في نسختها التي تعبر عنها «جمعية الوفاق»، باعتبارها من قوى المعارضة، وهذا الحلف بدأ مبكرا منذ 2002 وتطور في خط متواز مع تطور وجهة نظر جمعية الوفاق نفسها، ومع تطور وجهة نظر المعارضة التي لم تكن راضية عن تحولات ومجريات المشروع الإصلاحي، لينضم بعد ذلك وتدريجيا عدد من الجمعيات إلى هذا الحلف في فبراير 2011م لما اعتقد الجميع في المعارضة ان النظام أيامه معدودة، وان على من يريد ان يكون له مكان في المستقبل ان ينضم لهذا الحلف المسنود إقليميا ودوليا «كتحالف لقوى ديمقراطية وطنية بديلة»..وهذا الموقف يتعارض عمليا مع وجهة نظر اليسار التقليدي في اغلب البلدان العربية، والتي تبني موقفًا مضادا لحركات الإسلام السياسي عامة، كونها توصف في الغالب الأعم بأنها «حركة فاشية لابد من الوقوف ضدها» «وتستثنى من ذلك حركات المقاومة التي تواجه المستعمرين باعتبارها جزءا من حركة التحرر الوطني»، كما يتعارض هذا التحليل مع وجهة نظر اليسار الراديكالي الذي يرى في حركات وتيارات الإسلام السياسي»حركة فاشية رجعية كما يرى السلطة العربية استبدادية ورجعية أيضا»، وعليه يتوجب معادتهما معا، بنفس الدرجة من القوة، وأنه يجب مواجهتهما معًا.وبغض النظر عن المسارات التي حدثت بعد الأزمة التي شهدتها البحرين وتفاعلاتها المحلية والإقليمية وفشل المعارضة في تحقيق أهدافها التي تم التخطيط لها «وهي استلام السلطة على نمط ثورات الربيع العربي» وعجزها هنا ناجم على الأرجح من طبيعة تركيبتها وافقها الطائفي الذي لم تنجح في التخلص منه او إخفائه «حتى وان ادعت في خطابها الرسمي غير ذلك» والمتمثل في الوقوع في مصيدة البنية الطائفية-الدينية التي لها منطقها الخاص المتناقض مع بنية وافق الخطاب الديمقراطي المدني» وهذه مفارقة مدهشة في تعقب حدود فهمها، كحالة من الشيزوفرانيا السياسية، تجعل من هذه المعارضة وكأنها تعيش حالة من التناقض الداخلي، بما يجعل بنيتها الفكرية مستندة عمليا على نوع من «التقية السياسية» إن صح التعبير على صعيد الخطاب الذي يجعل من الحليف اليساري مجرد مكمل ديكور للصورة الجماعية المصدرة للخارج.وحتى بالنسبة لادعاء بعض قوي اليسار ـ خلال تبريرها للتحالف مع نقيضها الأيديولوجي – بأنها تعمل من خلال هذا التحالف على ترشيد خطاب هذا التيار الديني وتطويره وتوجيهه نحو أفق مدني ديمقراطي، فانه يبدو في بعض الأحيان كنكتة سمجة، او كمجرد ديماغوجيا مركبة، أو كمجرد خدعة، لأن الذي حدث في الواقع هو العكس تماما، فقد أدى تغول التيار الديني- الطائفي إلى ابتلاع اليسار وتحويله إلى رهينة أو إلى مجرد «سكرتارية» للحزب الأكبر، تتكفل بكتابة بياناته وأوراقه ووثائقه.إن الذي حدث في الواقع انه، وبدلا من أن يؤثر «اليسار» في التيار الديني الطائفي، أثر هو فيه، وبدلا من أن يقود صار مقودا مسلوب الإرادة ومحدود التأثير. ولكن يتوجب هنا الاعتراف بان اليسار قد اثر بوضوح في مستوى صياغة الوثائق المرجعية «وثيقة المنامة- وثيقة المبادئ والثوابت» حيث لا يخفى النفس اليساري في اللغة والصياغة والإحالات «والتي تتناقض في أكثر قيمها وثوابتها وحتى لغتها مع أطروحات الاتجاه الديني- الطائفي الرئيسي»، بما يحيل بالضرورة إلى نوع من التأويل لفك هذا اللغز، فمن الواضح على الأرجح ان مثل هذه الوثائق غير مهمة في المستقبل ولن يحتكم إليها على الأرجح في حين سيطرة المعارضة على السلطة، استنادا إلى التجارب السابقة بالنسبة للحركات الإسلامية وتحالفاتها التكتيكية مع القوى اليسارية والليبرالية، في كل من إيران والعراق ولبنان وغيرها. واستنادا إلى منطق العلوم السياسية ذاته، فعندما يتبنى حزب ديني طائفي في بنيته الفكرية وفي ممارساته التفصيلية أطروحات مدنية ديمقراطية وطنية مستجلبة في مجملها من أفق اليسار الديمقراطي، تكون هنالك مفارقة صعبة التصديق، إلا إذا كان هذا الحزب قد تخلى بالفعل عن خلفيته الأيديولوجية وثوابته المعلنة، وتحول إلى حزب يساري ديمقراطي، أو ان العملية كلها مجرد لعبة لغوية إعلامية للدمغجة لا أكثر ولا أقل فالبيانات والوثائق في الواقع لا تعدو كونها رسائل إعلامية للخارج لطمأنة ولكسب مساندة القوى الديمقراطية والحقوقية في الخارج، ولكن ما يحدث حقيقة هو ان ميزان القوى السياسي هو ما سيحسم التوجهات والقرارات، ويكفي هنا ان نذكر بما فعله الإمام الخميني بحزب توده وبمجاهدي خلق بعد الثورة الإسلامية بإيران..وللحديث صلة.مراجعات في أزمة اليسار في البحرين 2 – 3 الطائفية تبدد آخر أوراق النضال الديمقراطيما الذي بقي من اليسار؟ وماذا بقي لمن ينتمي إليه بعد كارثة انهيار منظومة القيم التي تؤطر وتؤسس للانتماء لليسار؟قبل عقدين من الزمان لم يكن مثل هذا السؤال قابلا للطرح في أوساط اليسار التقليدي لان المسالة محسومة سلفا في منظوره، ولكن طرحه اليوم بات امرا مشروعا في ظل التحولات والالتباسات المستجدة، خصوصا في ظل التحالفات الجديدة بين بعض اليسار والقوى الدينية – الطائفية «لمجرد أنها معارضة» بما يطرح إشكالات غير مسبوقة على الصعيدين الفكري والسياسي.فالانتماء إلى اليسار كان يعني باختصار الإيمان بالاشتراكية العلمية كمنظور ورؤية لتحليل حركة المجتمع والتاريخ الإنساني، والإيمان بحتمية التقدم على طريق بناء العدالة الاجتماعية ورفض منطق اقتصاد السوق الذي يقوم على أساس تحييد دور الدولة في الاقتصاد وترك السوق تعمل بآليات العرض والطلب وتتحكم في كل شيء، وتعني فكريا الوقوف ضد قوى التخلف الفكري الطائفي ومع قوى التنوير والتقدم والعقلانية كما ان للانتماء لليسار بعدا اقتصاديا يتحدد بالعلاقة مع وسائل الإنتاج «عدم ملكيتها»، وبعدا إيديولوجيا يتحدد بالنظرة المادية الموسومة بالعلمانية في مواجهة النظرة الميتافيزيقية. وبالارتباط مع هذين البعدين، ومع البعد الإيديولوجي بصفة خاصة، ظهر مرادف آخر لمصطلح يسار وهو مصطلح التقدمي في مواجهة مصطلح الرجعي، فأصبحت التقدمية سمة لليسار والرجعية سمة لليمين، فصار التقدمي بهذا المعنى يساريا حتى ولو لم يكن من صفوف الكادحين، وصار الرجعي بهذا المعنى أيضا يمينيا، حتى ولو كان من الكادحين، وبالرغم من المتغيرات الكاسحة في الواقع وفي المفاهيم، فإن الانتماء إلى اليسار يظل مرتبطا بالمفاهيم المتعلقة بالحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية والاشتراكية والارتباط بالقيم الإنسانية التي حققتها البشرية بفضل النضال ضد الاستغلال القومي والطبقي والجندري، وضد التخلف واستلاب الوعي.تلك خلاصة غير دقيقة، ولكنها إجمالية لمعنى الانتماء إلى اليسار في عمومه، ولكننا عندما نطرح نفس السؤال اليوم على أي من يساريينا سوف لن تعثر إلا على القليل من تلك المضامين اليسارية في ظل الابتعاد البين عن الجذور من ناحية، وفي ظل وجود قطاعات من اليساريين الجدد من ذوي الخلفيات البعيدة عن التكوين اليساري الصميم، ممن يعانون من حالة اختلاط وازدواجية في القيم والمفاهيم، مما أمكن بناء التحالفات والقناعات الجديدة التي تسجل نوعا من النكوص عن تلك المبادئ والقيم التي أصبحت مجرد ظلال باهتة ليسارية مذبذبة عديمة الهوية، وتقدمت في المقابل أولويات غريبة من نوع:- التحالف مع القوى المصنفة في الأصل»رجعية» في قاموس اليسار، ويبلغ هذا التحالف في بعض الأحيان درجة الاشتباك الطائفي، ويبدو هذا الخيار افقا جديدا لبعض يساريينا، وهو لا يقوم على أساس القراءة التقليدية لنظرية العوالم الثلاثة في ترجمتها المحلية، وإنما ينهض على رغبة محمومة في الوصول إلى السلطة بأي ثمن وبأي طريق، كرد فعل على ما تعرض له اليسار في السابق من تهميش متعمد واستبعاد من مصادر القرار..- التحالف – التنسيق السياسي والإعلامي المباشر «إلى درجة التبعية في بعض الأحيان» مع القوى المصنفة تقليديا في قاموس اليسار بأنها قوى «امبريالية» في حلف غير مقدس بالاستفادة من الإمكانيات التي أتاحتها خلال العقد الماضي الإدارات الغربية عبر المعاهد والمنظمات المختصة والتي تسهم بشكل واضح في تمويل وتدريب جزء من قوى المجتمع المدني التابعة لسيطرة المعارضة بكافة أصنافها. حيث بدا التنسيق واضحا وعلنيا ودون أي حرج!- تراجع الأولويات الاجتماعية – الاقتصادية – الفكرية المركزية للفكر اليساري في البرامج والفعاليات والبيانات والتشبث بنوع من الأبنية الفكرية والسياسية التي تتماهى مع الخطاب الديني الطائفي في لغته وتأويلاته وشعاراته في ازدواجية مكشوفة بين اللغة والممارسة قاسية وواضحة ومباشرة مع الحلفاء الجدد.- المسايرة المشوبة بالتواطؤ للمواقف والرؤى المعادية للحريات الخاصة عامة ولحرية المرأة خاصة في ملف قانون الأسرة المحجوز جزئيا لحساب المؤسسة الدينية تجنبا لأية مواجهة فكرية وسياسية وإعلامية مع الحلفاء الجدد.- الصمت المشبوه وغير المبرر حيال ما يطرحه التحدي الإيراني «السياسي – الطائفي» على الصعيد الإقليمي، والذي يتمظهر في بعض الأحيان في شكل تهديد مباشر للهوية والاستقلال الوطنيين، والامتناع عن إبداء أي حزم حقيقي تجاه هذا التحدي في إطار تكتيكات مواجهة السلطات المحلية.وللحديث صلة..مراجعات في أزمة اليسار في البحرين 3 – 3الخروج من المتاهة ليس مثل دخولهايبدو اليسار منشغلا في الوقت الراهن بتحالفاته مع رموز الحركة الدينية في ترجمتها الأكثر طائفية «بغض النظر عن التحسينات اللفظية التي تم إدخالها مؤخرا» مبتعدا عن التجربة التقدمية في الفكر والسياسة والتي كانت في الأصل والهدف منتجا حداثيا، وصارت الآن تحلق خارج فضائها الرّحب بعلة «انسداد الآفاق السياسية».وبدلا من ان يتجه يسارنا الى دعم مسار التجربة التعددية الوليدة، والتي تقع داخل الحد الأدنى الحداثي المشترك الذي أنتج توافقا وطنيا وتجربة تعدّدية قابلة للتطوّر، فقد فضل الانصياع إلى الإغراءات المتصلة بالرغبة العارمة في الوصول الى السلطة «وهي رغبة -وان كانت مشروعة من وجهة النظر الديمقراطية- فهي تبدو خارج سياقها التاريخي، نتيجة للسير وراء قوى غير قادرة على فهم حركة التاريخ».صحيح ان العديد من المحددات المرتبطة بتعريف الانتماء لليسار قد تغيرت اليوم: فالطبقات الاجتماعية لم تعد كما كانت من قبل، لا من حيث تركيبها ولا من حيث وظيفتها. فالصراع في المجتمعات المصنعة يميل اليوم إلى الكفاح من أجل توازن المصالح ولم يعد صراعا طبقيا، فهذه فكرة لم تعد تحظى بأي اهتمام في أوساط المفكرين اليساريين، ولكن، ومع ذلك لا مبرر على الإطلاق لانحرافات بعض اليسار في 3 جوانب على الأقل:أولاً: تزعزع الهوية اليسارية، نتيجة الالتحاق التدريجي بالليبرالية الاقتصادية على صعيد المنظور الاقتصادي الاجتماعي من جهة، وجعل التحالف مع التيار الديني الطائفي البديل لتحالف قوى اليسار التي بدت وكأنها لا تمتلك مشروعا سياسيا خاصا بها في ظل هذه التبعية، حيث بدت هذه التنازلات أقرب إلى الانعطاف الأيديولوجي منها إلى تكتيكات طارئة.ثانياً: جاء الارتماء في أحضان التيارات الدينية والطائفية لمجرد انها أصبحت خزانا للجماهير، حيث إن الجماعات الإسلامية لم تعد مجرد جماعات متشددة، بل أصبحت إطارا سياسيا يحمل مفارقة من نوع ما، فهي تضم قوى مطالبة بالتغيير السياسي، ولكن هذا الإطار الذي يدعو الى التغيير هو ذاته إطار للمحافظة وخزان للأفكار التقليدية المعادية للحداثة والتقدم والحرية. من المؤسف ان بعض يسارنا فضل الارتباط بهذه القوى لقناعته بانها قادرة على احداث التغيير، ولكن ما هو هذا التغيير وما مضمونه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي؟؟كما ان التأكيد على أهمية الحفاظ على الهوية اليسارية لليسار لا يعني أن يتخذ اليسار موقفاً معادياً للدين ولا حتى موقفا سلبيا من الإسلام السياسي، لكنه يعني بأن لا تصبح المرجعيات الدينية – الطائفية صاحبة الرأي والقرار في العمل السياسي، لا سيما إذا تعلق الأمر ببناء الدولة والحريات العامة والخاصة وتحقيق مدنية الدولة. حيث أدى هذا التحالف إلى بناء نوع من «الاتحاد ضد السلطة»، لان التحالف يحيل بالضرورة إلى نوع من التغايّر والتضادّ في مرجعيات الأطراف الداخلة فيه، بل يحيل إلى مواقف سلبية لا تخدم الإصلاح السياسي والاقتصادي الذي كانت تعيشه البحرين في معتركها للتقدم التدريجي نحو أفق أوسع من العدالة والحرية والديمقراطية، بل إن بعض المواقف والتصريحات بدت في بعض الأحيان اقرب إلى منطق «النكاية»، منه إلى الموقف السياسي الذي يخدم حركة التاريخ ومصلحة القوى الديمقراطية – التقدمية في النهاية..ثالثاً: العجز عن التأثير في حركة الواقع، وضعف تأثيره في المجتمع وعجزه شبه الكامل عن استقطاب الجمهور الواسع من المواطنين، رغم دوره الفاعل على مستوى الحراك السياسي. بما يتيح القول بان أزمة يسارنا تتمثل في امتلاك «الأفكار والبرامج»، على الصعيد النظري، و»أسوأ الممارسات» على الصعيد التجربة العملية، والعجز بالتالي عن إنجاز أيّ من المهام المعلنة، بسبب التشخيص الخاطئ لطبيعة المجتمع والسلطة معا، وبالتالي العجز عن تحديد محركات وأولويات التغيير.إن القوى التي نشأت وتطورت تاريخياً بوصفها معارضة ديمقراطية علمانية «يسارية أو غير يسارية» تستمد شرعية حضورها من وضوح برامجها السياسية وصدقية تحالفاتها واتسامها بالتناسق مع المبادئ الأساسية للتيار، ومن اعتمادها النشاط السلمي أسلوباً في نضالها، والتمسك بدولة القانون وباليات العمل الديمقراطي، وبذلك فقط تكون قادرة على كسب ثقة المجتمع عبر استنباط المهام المناسبة دون مغالاة، ولذلك يفترض بقوى اليسار الديمقراطي التي تناضل من اجل بناء وترسيخ الديمقراطية والحريات والعدالة، أن تصطف وراء هذا الهدف الاستراتيجي الذي ينسجم مع أهدافها الأساسية، فيكون الموقف الديمقراطي – التقدمي داعما لأي توجه إصلاحي للدولة، لا دفعا به إلى الخلف، من خلال ممارسات وتحالفات ومواقف لا تخدم التجربة التعددية، بما يسهم في تأخر تحقيق نتائج ايجابية على صعيد الانجاز الديمقراطي نفسه، حيث ان النكوص أو التراجع في هذا المجال لا يخدم سوى القوى المعادية للديمقراطية، وبوجه خاص القوى الطائفية في كل اتجاه وضمن أي تيار، وهي القوى التي تجمع على رفض الحريات والعدالة الاجتماعية.إن المهمة الأساسية التي يحتاجها اليسار اليوم هي تنفيذ مراجعة فكرية وسياسية واقعية، ضمن الحاجة الموضوعية في الوقت الراهن للالتقاء مجددا بين أطراف اليسار والقوى الديمقراطية المدنية، كقوى علمانية تقدمية لا تخفي علمانيتها ولا تخشى من الحديث عن بناء دولة مدنية قائمة على الفصل بين الدين والدولة، وتحارب الطائفية والطائفيين.

Les commentaires sont clos.